فصل: الباب الْحَادِيَ عَشَرَ فِي الْقُدُومِ عَلَى ضَرِيحِهِ عَلَيْهِ السَّلَام:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الذخيرة (نسخة منقحة)



.الْفَصْلُ الرَّابِعُ: فِي أَزْمَانِهَا:

وَفِي الْكِتَابِ لَا يُجْزِئُ ذَبْحُ الْهَدَايَا قَبْلَ الْفَجْرِ وَكَذَلِكَ نُسُكُ الْأَذَى وَإِنْ قُلِّدَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ} الْحَج 28 وَالْيَوْمُ النَّهَارُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {سَخَّرَهَا عَلَيْهِم سبع ليل وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا} الحاقة 7 وَلِأَنَّهُ السُّنَّةُ وَفِي الْجَوَاهِر يراق دَمُ الْفَسَادِ وَالْفَوَاتِ فِي الْحَجَّةِ الْمَقْضِيَّةِ وَقِيلَ فِي الْفَائِتَة والمفسدة لِأَنَّهُ جبران لَهَا.

.الباب الْعَاشِرُ: فِي الْعُمْرَةِ:

وَالْعُمْرَةُ فِي اللُّغَةِ الزِّيَارَة اعْتَمر فلَانا فَلَانًا إِذَا زَارَهُ وَفِي الشَّرْعِ زِيَارَةٌ مَخْصُوصَةٌ لِلْبَيْتِ وَفِي الْمُوَطَّأِ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ الْعُمْرَةُ لِلْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الْجَنَّةُ وَفِيهِ جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَيْهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَالَتْ إِنِّي تَجَهَّزْتُ لِلْحَجِّ فَاعْترضَ لي فَقَالَ لَهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْتَمِرِي فِي رَمَضَانَ فَإِنَّ عُمْرَةً فِيهِ كَحَجَّةٍ قَالَ سَنَد وَالْعمْرَة عِنْد مَالك وح سُنَّةٌ وَعِنْدَ ابْنِ حَبِيبٍ وَاجِبَةٌ وَعِنْدَ ش قَولَانِ حُجَّةُ الْأَوَّلِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ فَذَكَرَ الْحَجَّ وَلَمْ يذكر الْعمرَة ويروى عَنهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَجُّ جِهَادٌ وَالْعُمْرَةُ تَطَوُّعٌ وَلِأَنَّهَا غَيْرُ مُؤَقَّتَةٍ فَلَا تَجِبُ كَطَوَافِ التَّطَوُّعِ وَحُجَّةِ الثَّانِي قَوْله تَعَالَى {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} الْبَقَرَة 196 وَالْأَمْرُ للْوُجُوب وَرُوِيَ عَنهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ فَرِيضَتَانِ وَقِيَاسًا عَلَى الْحَجِّ وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ الْقَوْلُ بِالْمُوجِبِ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي وُجُوبَ إِتْمَامِهَا وَنَحْنُ نَقُولُ بِهِ إِنَّمَا النِّزَاعُ فِي الْإِنْشَاءِ وَعَنِ الثَّانِي أَنَّهُ غَيْرُ مَعْرُوف وَعَن الثَّالِث الْفرق بالتوقيف وَهُوَ دَلِيلُ اعْتِنَاءِ الشَّرْعِ بِالْحَجِّ وَتَجُوزُ فِي جَمِيعِ السَّنَةِ إِذَا لَمْ يُصَادِفْ أَفْعَالَ الْحَجِّ عِنْد مَالك وش وَابْن حَنْبَل وَقَالَ ح تكره فِي خمس أَيَّامٍ عَرَفَةَ وَالنَّحْرِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ لِقَوْلِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا السَّنَةُ كُلُّهَا وَقْتٌ لِلْعُمْرَةِ إِلَّا خَمْسَةَ أَيَّامٍ فَذَكَرَتْهَا وَجَوَابُهُ مَنْعُ الصِّحَّةِ سَلَّمْنَاهَا لَكِنْ يُحْمَلُ عَلَى الْمُتَلَبِّسِ بِالْحَجِّ وَلَا يُعْتَمَرُ عِنْدَ مَالِكٍ إِلَّا مَرَّةً وَاسْتَحَبَّ مُطَرِّفٌ وش تَكْرَارَهَا لِأَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يَعْتَمِرُ فِي كُلِّ يَوْمٍ مَرَّةً وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَعْتَمِرُ فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ ابْنِ الزُّبَيْرِ لَنَا مَا فِي الْمُوَطَّأِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْتَمَرَ ثَلَاثًا عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ وَعَامَ الْقَضِيَّةِ وَعَامَ الْجِعِرَّانَة إِحْدَاهُنَّ فِي شَوَّال وتنتان فِي ذِي الْقَعْدَةِ وَمَا رَوَوْهُ يَحْتَمِلُ الْقَضَاءَ فَقَدْ رُوِيَ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فرطت فِي الْعمرَة سبع سِنِينَ فَقَضَتْهَا فِي عَامٍ وَاحِدٍ وَلَوْ كَانَ ذَلِك مُسْتَحبا لفعله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْأَئِمَّةُ بَعْدَهُ وَإِذَا قُلْنَا لَا يَعْتَمِرُ إِلَّا مَرَّةً فَهَلْ هِيَ مِنَ الْحَجِّ إِلَى الْحَجِّ أَوْ مِنَ الْمُحَرَّمِ إِلَى الْمُحَرَّمِ لِمَالِكٍ قَوْلَانِ يَنْبَنِي عَلَيْهِمَا الِاعْتِمَارُ بَعْدَ الْحَجَّةِ فِي ذِي الْحِجَّةِ ثُمَّ فِي الْمُحَرَّمِ وَفِي الْكِتَابِ تَجُوزُ الْعُمْرَةُ فِي السَّنَةِ كُلِّهَا إِلَّا لِلْحَاجِّ يُكْرَهُ لَهُ الِاعْتِمَارُ حَتَّى تَغِيبَ الشَّمْسُ آخِرَ أَيَّامِ الرَّمْيِ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ أَمْ لَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فَإِنْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ فِي أَيَّامِ الرَّمْيِ لَمْ تَلْزَمْهُ وَالْعُمْرَةُ فِي السَّنَةِ مَرَّةٌ وَاحِدَةٌ فَإِنِ اعْتَمَرَ بَعْدَهَا لَزِمَتْهُ كَانَتِ الْأُولَى فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ أَمْ لَا أَرَادَ الْحَجَّ مِنْ عَامِهِ أَمْ لَا قَالَ سَنَدٌ رَاعَى مَالك وزمان الرَّمْي فِي الاعتمار وش الرَّمْيَ نَفْسَهُ لِمَالِكٍ إِنَّ الِاعْتِمَارَ مَمْنُوعٌ فِي زَمَانِ الرَّمْيِ وَالزَّمَانُ وَقْتٌ لَا رَمْيَ فَيَكُونُ الزَّمَانُ مُعْتَبَرًا دُونَ الرَّمْيِ.

.الباب الْحَادِيَ عَشَرَ فِي الْقُدُومِ عَلَى ضَرِيحِهِ عَلَيْهِ السَّلَام:

وَقَدْ كَرِهَ مَالِكٌ أَنْ يُقَالَ زُرْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنْ يُسَمَّى زِيَارَةً قَالَ صَاحِبُ تَهْذِيبِ الطَّالِبِ لِأَن شَأْن الزائر الْفضل والتفضيل على المزور وَهُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَاحِبُ الْفَضْلِ وَالْمِنَّةِ وَكَذَلِكَ أَنْ يُقَالَ طَوَافُ الزِّيَارَةِ وَقِيلَ لِأَنَّ الزِّيَارَةَ تُشْعِرُ بِالْإِبَاحَةِ وَزِيَارَةُ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ السُّنَّةِ الْمُتَأَكِّدَةِ وَلَوِ اسْتُؤْجِرَ رَجُلٌ عَلَى الْحَجِّ وَالزِّيَارَةِ فَتَعَذَّرَتْ عَلَيْهِ الزِّيَارَةُ قَالَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ يَرُدُّ مِنَ الْأُجْرَةِ بِقَدْرِ مَسَافَةِ الزِّيَارَةِ وَقِيلَ يَرْجِعُ ثَانِيَةً حَتَّى يَزُورَ وَقَالَ سَنَدٌ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ فَرَغَ مَنْ حَجَّهُ إِتْيَانُ مَسْجده صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيصَلي فِيهِ وَيسلم على النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي أَبِي دَاوُدَ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا مِنْ أَحَدٍ يُسَلِّمُ عَلَيَّ إِلَّا رَدَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيَّ رُوحِي حَتَّى أَرُدَّ عَلَيْهِ السَّلَام ويروى عَنهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ مَنْ زَارَ قَبْرِي وَجَبَتْ لَهُ شَفَاعَتِي وَمَنْ زَارَ قَبْرِي وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ وَيُرْوَى عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ مَنْ زَارَنِي بَعْدَ وَفَاتِي فَكَأَنَّمَا زَارَنِي فِي حَيَاتِي وَحَكَى الْعُتْبِيُّ أَنه كَانَ جَالِسًا عِنْدَ قَبْرِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَجَاءَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ سَمِعْتُ اللَّهَ يَقُولُ {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤك فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا} النِّسَاء 64 وَقَدْ جِئْتُكَ مُسْتَغْفِرًا مِنْ ذَنْبِي مُسْتَشْفِعًا بِكَ إِلَى رَبِّي ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُولُ:
يَا خَيْرَ مَنْ دُفِنَتْ بِالْقَاعِ أَعْظُمُهُ ** فَطَابَ مِنْ طِيبِهِنَّ الْقَاعُ وَالْأَكَمُ

نَفْسِي الْفِدَاءُ لِقَبْرٍ أَنْتَ سَاكِنُهُ ** فِيهِ الْعَفَافُ وَفِيهِ الْجُودُ وَالْكَرَمُ

ثُمَّ انْصَرَفَ الْأَعْرَابِيُّ فَحَمَلْتِنِي عَيْنِي فَرَأَيْتُ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّوْمِ فَقَالَ لِي يَا عُتْبِيُّ الْحَقِ الْأَعْرَابِيَّ فَبَشِّرْهُ أَنَّ اللَّهَ قَدْ غَفَرَ لَهُ.

.الباب الثَّانِيَ عَشَرَ فِي فَضْلِ الْمَدِينَةِ عَلَى مَكَّةَ:

قَالَ صَاحِبُ الْمُقَدِّمَاتِ أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى فَضْلِهِمَا عَلَى غَيْرِهِمَا وَعِنْدَ عَبْدِ الْوَهَّابِ وَبَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ الْمَدِينَةُ أَفْضَلُ مِنْ مَكَّةَ وَعِنْدَ ش وح وَغَيْرِهِمَا مَكَّةُ أَفْضَلُ قَالَ وَهُوَ الْأَظْهَرُ وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَزْمَانَ وَالْبِقَاعَ مُسْتَوِيَةٌ مِنْ حَيْثُ هِيَ أما الْأَزْمَان فَلِأَنَّهَا عِنْد الْمُتَكَلِّمين اقترانات الحوادات بَعْضِهَا بِبَعْضٍ وَمَفْهُومُ الِاقْتِرَانِ لَا يَخْتَلِفُ فِي ذَاتِهِ وَأَمَّا الْبِقَاعُ فَلِأَنَّ الْجَوَاهِرَ مُسْتَوِيَةٌ وَإِنَّمَا اللَّهُ تَعَالَى فَضَّلَ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ بِأُمُورٍ خَارِجَةٍ عَنْهَا.
قَاعِدَةٌ:
لِلتَّفْضِيلِ بَيْنَ جُمْلَةِ الْمَعْلُومَاتِ عِشْرُونَ سَبَبًا أَحَدُهَا بِالذَّاتِ كَتَفْضِيلِ الْوَاجِبِ عَلَى الْمُمْكِنِ وَالْعِلْمِ عَلَى الْجَهْلِ.
وَثَانِيهَا بِالصِّفَةِ الْحَقِيقِيَّةِ كَتَفْضِيلِ الْعَالِمِ عَلَى الْجَاهِلِ.
وَثَالِثُهَا بِطَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى كَتَفْضِيلِ الْمُؤْمِنِ عَلَى الْكَافِرِ.
وَرَابِعُهَا بِكَثْرَةِ الثَّوَابِ الْوَاقِعِ فِي الْمُفَضَّلِ كَتَفْضِيلِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ.
وَخَامِسُهَا لِشَرَفِ الْمَوْصُوفِ كَالْكَلَامِ النَّفْسِيِّ الْقَدِيمِ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ كَلَامِ الْمُحْدَثِينَ.
وَسَادِسُهَا لِشَرَفِ الصُّدُورِ كَشَرَفِ أَلْفَاظِ الْقُرْآنِ لِكَوْنِ الرَّبِّ تَعَالَى هُوَ الْمُرَتِّبُ لِوَصْفِهِ وَنِظَامِهِ.
وَسَابِعُهَا لِشَرَفِ الْمَدْلُولِ كَتَفْضِيلِ الْأَذْكَارِ الدَّالَّةِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ الْعُلْيَا وَأَسْمَائِهِ الْحُسْنَى.
وَثَامِنُهَا لِشَرَفِ الدَّلَالَةِ كَشَرَفِ الْحُرُوفِ الدَّالَّةِ عَلَى الْأَصْوَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى.
وَتَاسِعُهَا بِالتَّعْلِيقِ كَتَفْضِيلِ الْعِلْمِ عَلَى الْحَيَاةِ وَإِنْ كَانَتَا صِفَتَيْ كَمَالٍ.
وَعَاشِرُهَا شَرَفُ التَّعَلُّقِ كَتَفْضِيلِ الْعِلْمِ الْمُتَعَلِّقِ بِذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ عَلَى غَيْرِهِ مِنَ الْعُلُومِ وَكَتَفْضِيلِ الْفِقْهِ على الطِّبّ لتَعَلُّقه بوسائله وَأَحْكَامه وحادي عشرهَا كَثْرَةُ التَّعَلُّقِ كَتَفْضِيلِ الْعِلْمِ عَلَى الْقُدْرَةِ وَالْإِرَادَةِ لِتَعَلُّقِ الْعِلْمِ بِالْوَاجِبِ وَالْجَائِزِ وَالْمُسْتَحِيلِ وَاخْتِصَاصِهَا بِالْجَائِزَاتِ وَكَتَفْضِيلِ الْإِرَادَةِ عَلَى الْقُدْرَةِ لِتَنَاوُلِهَا الْإِعْدَامَ وَالْإِيجَادَ واختصاص الْقُدْرَة بالإيجاد وتفضيل الْبَصَر على السّمع لتَعَلُّقه بِسَائِر الموجودات واختصاص السّمع بالأصوات وَالْكَلَام النفساني وَثَانِي عشرهَا بِالْمُجَاوَرَةِ كَتَفْضِيلِ جِلْدِ الْمُصْحَفِ عَلَى سَائِرِ الْجُلُودِ فَلَا يمس إِلَّا بِوضُوء وثالث عشرهَا بالحلول كتفضيل قَبره صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على سَائِر الْبِقَاع ورابع عشرهَا بِالْإِضَافَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ} المجادلة 22 وخامس عشرهَا بالإنتساب كتفضيل ذُريَّته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى سَائِرِ الذَّرَارِيِّ وَنِسَائِهِ عَلَى سَائِرِ النِّسَاءِ وسادس عشرهَا بِالثَّمَرَةِ كَتَفْضِيلِ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ لِإِثْمَارِ الْعِلْمِ صَلَاحَ الْخَلْقِ بِالتَّعْلِيمِ وَالْإِرْشَادِ وَالْعِبَادَةُ قَاصِرَةٌ عَلَى محلهَا وسابع عشرهَا بِأَكْثَرِيَّةِ الثَّمَرَةِ كَتَفْضِيلِ الْفِقْهِ عَلَى الْهَنْدَسَةِ وَثَامِنُ عشرهَا بِالتَّأْثِيرِ كَتَفْضِيلِ الْحَيَاءِ عَلَى الْقُحَّةِ لِحَثِّهِ عَلَى ترك القبائح وكتفضيل الشجَاعَة على الْجُبْن لحثه عَلَى دَرْءِ الْعَارِ وَنُصْرَةِ الْجَارِ وَنُصْرَةِ الْحَقِّ وَتَحْصِيل الْمصَالح ودرء الْمَفَاسِد وتاسع عشرهَا بِجَوْدَةِ الْبِنْيَةِ وَالتَّرْكِيبِ كَتَفْضِيلِ الْمَلَائِكَةِ وَالْجِنِّ عَلَى بَنِي آدَمَ فِي أَبْنِيَتِهِمْ وَالْعِشْرُونَ بِاخْتِيَارِ الرَّبِّ تَعَالَى كَتَفْضِيلِ أَحَدِ الْمُتَسَاوِيَيْنِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ عَلَى الْآخَرِ كَتَفْضِيلِ شَاةِ الزَّكَاةِ عَلَى شَاةِ التَّطَوُّعِ وَحَجِّ الْفَرْضِ عَلَى تَطَوُّعِهِ وَالْقِرَاءَةِ وَالْأَذْكَارِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى مِثْلِهَا خَارِجَ الصَّلَاةِ وَلْنَقْتَصِرْ عَلَى هَذَا الْقَدْرِ مِنَ الْأَسْبَابِ خَشْيَةَ الْإِكْثَارِ ثُمَّ هَذِهِ الْأَسْبَابُ قَدْ تَتَعَارَضُ فَيَكُونُ الْأَفْضَلُ مَنْ حَازَ أَكْثَرَهَا وَأَفْضَلَهَا وَالتَّفْضِيلُ إِنَّمَا يَقَعُ بَيْنَ الْمَجْمُوعَاتِ وَقَدْ يَخْتَصُّ الْمَفْضُولُ بِبَعْضِ الصِّفَاتِ وَلَا يقْدَح ذَلِك فِي التَّفْضِيل كَقَوْلِه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْضَاكُمْ عَلِيٌّ وَأَقْرَأُكُمْ أُبَيٌّ وَأَفْرَضُكُمْ زَيْدٌ وَأَعْلَمُكُمْ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ مُعَاذُ من جَبَلٍ مَعَ فَضْلِ الصِّدِّيقِ عَلَى الْجَمِيعِ وَكَاخْتِصَاصِ سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام بِِالْمُلْكِ الْعَظِيمِ وَنُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِإِنْذَارٍ نَحْوَ أَلْفِ سَنَةٍ وَآدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِكَوْنِهِ أَبَا الْبَشَرِ مَعَ تَفْضِيلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى الْجَمِيعِ فَلَوْلَا هَذِهِ الْقَاعِدَةُ لَزِمَ التَّنَاقُضُ وَاعْلَمْ أَنَّ تَفْضِيلَ الْمَلَائِكَةِ وَالْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمْ السَّلَامُ إِنَّمَا هُوَ بِالطَّاعَاتِ وَالْأَحْوَالِ السَّنِيَّاتِ وَشَرَفِ الرِّسَالَاتِ وَعَظِيمِ الْمُثُوبَاتِ والدرجات العليات فَمن كَانَ فِيهَا أَتَمَّ فَهُوَ فِيهَا أَفْضَلُ إِذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَفِي الْمُقَدِّمَاتِ فَضْلُ الْمَدِينَةِ مِنْ وُجُوهٍ:
أَحَدُهَا قَوْله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةُ خَيْرٌ مِنْ مَكَّةَ وَهُوَ نَصٌّ فِي الْبَابِ وَيَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ مُطْلَقٌ فِي الْمُتَعَلِّقِ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا خَيْرٌ مِنْهَا فِي سَعَةِ الرِّزْقِ وَالْمَتَاجِرِ فَمَا تَعَيَّنَ مَحَلُّ النِّزَاعِ.
وَثَانِيهَا: دُعَاؤُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهَا بِمِثْلِ مَا دَعَا بِهِ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِمَكَّةَ وَمِثْلِهِ مَعَهُ وَيَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ مُطْلَقٌ فِي الْمَدْعُوِّ بِهِ فَيُحْمَلُ عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ وَهُوَ الصَّاعُ وَالْمُدُّ. وَثَالِثُهَا: قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ اللَّهُمَّ إِنَّهُمْ أَخْرَجُونِي مِنْ أَحَبِّ الْبِقَاعِ إِلَيَّ فَأَسْكِنِّي أَحَبَّ الْبِقَاعِ إِلَيْكَ وَيَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّ السِّيَاقَ يَأْبَى دُخُول مَكَّة فِي الْمفضل عَلَيْهِ لإياسه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَيَكُونُ الْمَعْنَى فَأَسْكِنِّي أَحَبَّ الْبِقَاعِ إِلَيْكَ مَا عَدَاهَا مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ وَلَوْ صَحَّ فَهُوَ مِنْ مَجَازِ وَصْفِ الْمَكَانِ بِصِفَةِ مَا يَقَعُ فِيهِ كَمَا يُقَالُ بَلَدٌ طَيِّبٌ أَيْ هَوَاؤُهَا مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ وَالْأَرْضُ الْمُقَدَّسَةُ أَيْ قُدِّسَ مَنْ دَخَلَهَا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَالْأَوْلِيَاءِ الْمُقَدَّسِينَ مِنَ الذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا وَكَذَلِكَ الْوَادِي الْمُقَدَّسُ أَيْ قُدِّسَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فِيهِ وَالْمَلَائِكَةُ الْحَالُّونَ فِيهِ وَكَذَلِكَ وَصْفُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ التُّرْبَةَ بِالْمَحَبَّةِ هُوَ وَصْفٌ لَهَا بِمَا جَعَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِيهَا مِمَّا يُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَهُوَ إِقَامَته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَا وَإِرْشَادُ الْخَلْقِ إِلَى الْحَقِّ وَقَدِ انْقَضَى ذَلِك التَّبْلِيغ وَتلك القربات.
وَرَابِعهَا قَوْله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَصْبِرُ عَلَى لَأْوَائِهَا وَشِدَّتِهَا أَحَدٌ إِلَّا كُنْتُ لَهُ شَفِيعًا أَوْ شَهِيدًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَرُدُّ عَلَيْهِ سُؤَالَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الْفَضْلِ لَا الْأَفْضَلِيَّةِ وَثَانِيهِمَا أَنَّهُ مُطْلَقٌ فِي الزَّمَانِ فَيُحْمَلُ عَلَى زَمَانِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَالْكَوْنُ مَعَهُ لِنُصْرَةِ الدِّينِ وَيُعَضِّدُهُ خُرُوجُ الصَّحَابَةِ بَعْدَهُ إِلَى الشَّام وَالْعراق.
وخامسها قَوْله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ الْإِيمَانَ لَيَأْرِزُ إِلَى الْمَدِينَةِ كَمَا تَأْرِزُ الْحَيَّةُ إِلَى جُحْرِهَا أَيْ يَأْوِي وَيَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّ ذَلِكَ عِبَارَةٌ عَنِ انْسِيَابِ الْمُؤْمِنِينَ لَهَا بِسَبَبِ وُجُودِهِ فِيهَا حَالَ حَيَاتِهِ فَلَا عُمُومَ لَهُ وَلَا بَقَاءَ لِهَذِهِ الْفَضِيلَةِ لِخُرُوجِ الصَّحَابَةِ مِنْهَا بعده صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وسادسها: قَوْله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ الْمَدِينَةَ تَنْفِي خَبَثَهَا كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ وَيَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى زَمَانه كَمَا تقدم.
وسابعها قَوْله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا بَيْنَ قَبْرِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجنَّة وَيَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى فَضْلِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ لَا الْمَدِينَةِ.
وَثَامِنُهَا قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ أَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ الْبُقْعَةَ الْحَاوِيَةَ لِأَعْضَائِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْضَلُ الْبِقَاعِ قَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ لَمَّا اسْتَدَلَّ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ إِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَتَكُونُ الصَّلَاةُ فِي مَسْجِدِهَا أَفْضَلَ مِنَ الصَّلَاةِ فِي الْمَسْجِد الْحَرَام وَيكون الِاسْتِثْنَاء فِي قَوْله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إِلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنَ الصَّلَاةِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ بِأَقَلَّ مِمَّا فَضَلَ غَيْرَهُ وَعَلَيْهِ سُؤَالَانِ أَحَدُهُمَا لَا يَلْزَمُ مِنْ أَفْضَلِيَّةِ الْبَلَدِ عَلَى تَقْدِيرِ تَسْلِيمِهَا أَفْضَلِيَّةُ الصَّلَاةِ وَثَانِيهَا أَنَّ فِي التَّمْهِيدِ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ أَلْفٍ وَمِائَةِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ وَاعْلَمْ أَنَّ تَفْضِيلَ الْأَزْمَان وَالْبِقَاعِ قِسْمَانِ دُنْيَوِيٌّ كَتَفْضِيلِ الرَّبِيعِ عَلَى غَيْرِهِ مِنَ الْأَزْمَانِ وَتَفْضِيلِ بَعْضِ الْبُلْدَانِ فِي الثِّمَارِ وَالْأَنْهَارِ وَطِيبِ الْهَوَاءِ وَمُوَافَقَةِ الْأَهْوَاءِ وَدِينِيٌّ كَتَفْضِيلِ رَمَضَانَ عَلَى الشُّهُورِ وَعَرَفَةَ وَعَاشُورَاءَ وَنَحْوِهِمَا وَمَعْنَاهُ كَثْرَةُ جُودِ اللَّهِ تَعَالَى فِيهَا عَلَى عِبَادَهِ وَكَذَلِكَ الثُّلْثُ الْأَخِيرُ مِنَ اللَّيْلِ لِجُودِ اللَّهِ تَعَالَى بِإِجَابَةِ الدَّعَوَاتِ وَمَغْفِرَةِ الزَّلَّاتِ وَإِعْطَاءِ السُّؤَالِ ونيل الآمال وَمن هَذَا تَفْضِيل مَكَّة وَالْمَدينَة وَلِوُجُوهٍ أُخْرَى وَقَدِ اخْتَصَّتْ مَكَّةُ بِوُجُوهٍ مِنَ التَّفْضِيلِ أَحَدُهَا وُجُوبُ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ عَلَى الْخِلَافِ وَالْمَدِينَةُ يُنْدَبُ إِتْيَانُهَا وَلَا يَجِبُ وَثَانِيهَا فُضِّلَتِ الْمَدِينَة بإقامته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَا بَعْدَ النُّبُوَّةِ عَشْرَ سِنِينَ وَبِمَكَّةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً بَعْدَ النُّبُوَّةِ وَثَالِثُهَا فُضِّلَتِ الْمَدِينَةُ بِكَثْرَةِ الطَّارِئَيْنِ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ وَفُضِّلَتْ مَكَّةُ بِالطَّائِفِينَ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ فَمَا مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا حَجَّهَا آدَمُ فَمَنْ دُونَهُ وَلَوْ كَانَ لِمَالِكٍ دَارَانِ فَأَوْجَبَ عَلَى عِبَادِهِ أَنْ يَأْتُوا إِحْدَاهمَا وَوَعدهمْ على ذَلِك بغفر سيآتهم وَرَفْعِ دَرَجَاتِهِمْ دُونَ الْأُخْرَى لَعُلِمَ أَنَّهَا عِنْدَهُ أَفْضَلُ وَرَابِعُهَا أَنَّ التَّقْبِيلَ وَالِاسْتِلَامَ نَوْعٌ مِنْ الِاحْتِرَامِ وَهُمَا خَاصَّانِ بِالْكَعْبَةِ وَخَامِسُهَا وُجُوبُ اسْتِقْبَالِهَا وَسَادِسُهَا تَحْرِيمُ اسْتِدْبَارِهَا لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ وَسَابِعُهَا تَحْرِيمُهَا يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ تُحَرَّمِ الْمَدِينَةُ إِلَّا فِي زَمَانِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَثَامِنُهَا كَوْنُهَا مَثْوَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ وَتَاسِعُهَا كَوْنُهَا مَوْلِدُ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ وَعَاشَرُهَا لَا تُدْخَلُ إِلَّا بِإِحْرَام وحادي عشرهَا قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} التَّوْبَة 28 وَثَانِي عشرهَا الِاغْتِسَال لدخولها دون الْمَدِينَة وثالث عشرهَا ثَنَاءُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَى الْبَيْتِ وَهُوَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ للنَّاس للَّذي ببكة مُبَارَكًا وَهدى للْعَالمين فِيهِ آيَات بَيِّنَات} الْآيَة آل عمرَان 96.

.كتاب الْجِهَاد:

وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنَ الْجُهْدِ الَّذِي هُوَ التَّعَبُ ثُمَّ اشْتُهِرَ فِي الشَّرْعِ بِنَعْتٍ خَاصٍّ كَمَا اتَّفَقَ فِي الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَغَيْرِهِمَا وَهُوَ مِنَ الْعِبَادَات الْعَظِيمَة فَفِي البُخَارِيّ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ عَبْدٍ يَمُوتُ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ يَسُرُّهُ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا وَأَنَّ لَهُ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا إِلَّا الشَّهِيدَ لِمَا يَرَى مِنْ فَضْلِ الشَّهَادَةِ فَإِنَّهُ يَسُرُّهُ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا فَيُقْتَلَ مَرَّةً أُخْرَى وَلَرَوْحَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ غَدْوَةٌ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا وَلَقَاب قَوس أحدكُم أَوْ مَوْضِعُ قِيدٍ يَعْنِي سَوْطَهُ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ اطَّلَعَتْ إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ لَأَضَاءَتْ مَا بَيْنَهُمَا وَلَمَلَأَتْهُ رِيحًا وَلَنَصِيفُهَا عَلَى رَأْسِهَا خير من الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا» وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنِ اغْبَرَّتْ قَدَمَاهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ» فَلِهَذِهِ الْفَضِيلَةِ الْعَظِيمَةِ يَرْجِعُ اخْتِيَارُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ فِي جَعْلِهِ فِي الْمُصَنَّفَاتِ مَعَ الْعِبَادَاتِ وَالشَّافِعِيَّةُ يَجْعَلُونَهُ مَعَ الْجِنَايَاتِ لِأَنَّهُ عُقُوبَةٌ عَلَى الْكُفْرِ فَهُمْ يُلَاحِظُونَ الْمَفْعُولَ بِهِ وَنَحْنُ نُلَاحِظُ الْفَاعِلَ وَتَعَلُّقُ الْفِعْلِ بِفَاعِلِهِ أَشَدُّ مِنْ تَعَلُّقِهِ بِمَفْعُولِهِ وَفِي الْكِتَابِ اثْنَا عَشَرَ بَابا.